في مثل هذا اليوم ..
في مثل هذا اليوم قبل ست سنوات، اهتزت القلوب لصيحة "بنعلي هرب، يا توانسة ما عادش خوف"، قبل ست سنوات خرج الشباب في الدول العربية بكل براءة وعنفوان مطالبين بالحرية والكرامة والديمقراطية وفقط، قبل ست سنوات، كانت الثورات عبارة عن أغاني غاضبة وقصائد ملهمة وصور مبدعة ورسومات ساخرة، قبل ست سنوات كانت رغبة التحرر سلمية، كان الشباب مستعدا للتصدي للرصاص بصدور عارية، قبل ست سنوات تكسر حاجز الخوف، وما عادت بذل الشرطة ولا أخذية العسكر تخيف، صار هتاف الشعوب يهز قصور الحاكمين، قبل ست سنوات انتفت التصنيفات، فما عاد هناك سلفي او اخواني أو علماني او يساري، الجميع كان ينشد الحرية والانعتاق من قبضة الظلم والقمع، كان الحلم الجميلا، قبل أن يستحيل إلى كابوس بسبب نفاق الغرب، ودموية الأنظمة، والرايات السود التي أفسدت على الناس دينها ودنياها، وتخاذل النخب وقصر نظرها، قبل ست سنوات كان الحديث منصبا على مدنية الدولة وطرق وضع دساتير ديمقراطية، قبل ست سنوات لم يكن أحد يتوقع أن مدينة مثل حلب ستصبح أثرا بعد عين، والموصل زهرة العراق، سيحكمها الدواعش، كانت الاشهر الاولى من تلك الصيحة "بنعلي هرب" لحظة حلم، أنهت الكثير من الأساطير عن كون الشباب عازفا عن السياسة وبأن شعوب هذه المنطقة لا تصلح معها الديمقراطية، فهي غارقة في التخلف، قبل ان يجد الشباب نفسه أمام خيارات كلها مرة، إما الابادة والقتل، أو داعش، أو الصبر على الاستبداد. ست سنوات خلطت الأوراق فما عاد العدو هو العدو، وانحرف مفهوم المقاومة، وظلمت فيه القضية الفلسطينية، ووجدت حركات الاسلام السياسي نفسها في مأزق لم تخرج منه الى الان، والنخبة ضيعت موعدها مع التاريخ، وفضح فيها بعض مدعي الحداثة الذين فضلوا وضع يدهم في يد المستبد على ان تصل دولهم لديمقراطية يفوز فيها الاسلاميون في الانتخابات، ست سنوات من التيه والضياع والكثير الكثير من الدم. "يا توانسة ما عادش خوف" كانت شعار ذلك الحلم الجميل، كلنا تأثرنا به ودمعت أغيننا فرحا به، لكن بعد ست سنوات وحده الخوف من يسود ويحكم.
