منع تسويق البرقع بالمغرب... أين نحن من الحرية الفردية؟
لم تمر إلا أيام قلائل على إصدار السلطات المغربية لقرار منع خياطة و تسويق البرقع حتى انهالت التعليقات و التغريدات بالجملة على مواقع التواصل الاجتماعي. فهناك من اعتبره خطوة توجب على السلطات الأمنية القيام بها حفاظا على استقرار و وحدة البلاد, خاصة في ظل الأعمال الإرهابية التي ذهب ضحيتها العديد من الأبرياء في كل أقطار العالم , و ما تلا ذلك من ضغوطات و مضايقات على لدول الإسلامية . في حين اعتبره الرأي الآخر قرارا متهورا لا يليق ببلد ديمقراطي, و ذلك لما يحمله الأمر من مس مباشر للحرية الفردية و المعتقدات الدينية... موضحين بأن الدواعي الأمنية التي برر بها هذا القرار هي مجرد در للرماد على العيون و بأن الأمر في الواقع مجرد تمهيد لقرار منع ارتدائه مستقبلا. و الواقع أن هذه الضجة الكبيرة هي سابقة لأوانها بعض الشيء, نظرا لغياب أي قرار نهائي من وزارة الداخلية بخصوص هذا الأمر إضافة إلى أن القرار لم يطرح حتى في البرلمان الذي يعتبر أعلى سلطة تقريرية بالمغرب ...بيد أنه لا ضرر في استغلال الصدى الكبير الذي أحدثه الأمر و انتهاز هذه الفرصة الثمينة للقيام بوقفة مع الذات و التفكير مليا في واقع الحريات بالمغرب. فبعيدا عن جدل الأمن و الحريات الذي أحدثه هذا القرار, وإذا ما تمعنا جيدا و قارنا المفهوم الحقيقي للحرية بما نعيشه حاليا وسط المجتمع المغربي فإننا سنستطيع بكل سهولة تمييز الهوة الكبيرة بين الاثنين . فالمغرب و كسائر المجتمعات العربية يجد نفسه و في أغلب الأحيان عاجزا على تكسير قيود الأعراف و التقاليد التي تأبى إلا أن تجره إلى حضيض الجهل و التخلف... إنها في الواقع و بخلاصة جزء لا يتجزأ من الحياة اليومية لكل مغربي. ففي ظل التحولات الكبيرة التي شهدها العالم بأسره و ما تلا ذلك من تطور باهر للدول الغربية , لا يزال المغرب يحاول حل إشكالات من المفترض أن تكون متجاوزة : إشكالات إيديولوجية تقف سدا منيعا أمام التحاقنا بركب الدول الحداثية المتقدمة. و في هذا الصدد, وجب تصحيح فكرة في غاية الخطورة, فالتحاق بالدول الحداثية لا يعني تجرد المغرب من أعرافه و هويته, أو تقليد الدول الغربية تقليدا أعمى ... بل و كما يقول عبد الله العروي, مصير المغرب أو العرب بصفة عامة رهين بقدرتهم على الحفاظ على هويتهم مع الاستئناس بالتفكير الغربي البناء دون السقوط في فخ التقليد. فما دام المغرب غير قادر على تطبيق هذه النظرية على أرض الواقع , فسنكتفي بالعيش على فتات و قشور الحداثة و كذا بالكتفاء بنوع من الحرية الوهمية البعيدة كل البعد عن المعنى الحقيقي لمجتمع حر.